يشكل الإعلام الديني محوراً أساسياً في بنية أي مجتمع إسلامي، لذا شهدت السنوات الأخيرة من القرن العشرين وأوائل القرن الواحد والعشرين تنامي ظاهرة قوة الإعلام الديني في المجتمعات الإسلامية نظراً لحاجة جماهير هذه المجتمعات إلى فهم تعاليم ومبادئ الدين الإسلامي الحنيف على الوجه الصحيح (1). لذا أصبح الإعلام الديني جانباً مهماً من جوانب الدعوة الإسلامية، فضلاً عن قدرته على تبني قضايا المسلمين وطرح الحلول الممكنة لها استناداً إلى القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة، سعياً منه لتنوير الجماهير وزيادة معارفها الدينية(2). ولا شك أن الإعلام الديني بما يقدمه من مضامين دينية متنوعة يستوجب المزيد من الدراسة لمعرفة ما إذا كانت هذه المضامين تلقى صدى لدى الجماهير الموجه إليها أم لا، للوقوف على مدى إشباعها لاحتياجاتهم. ومنذ إنشاء إذاعة القرآن الكريم في 29/3/1964، وهي تسعى جاهدة إلى نشر تعاليم الدين الإسلامي السمحة ومبادئه، معتمداً في ذلك على القرآن الكريم والسنة النبوية وأحاديثها الشريفة، ومدعمة ذلك بالدلائل والبراهين الدينية وبلغة يفهمها الجمهور المتلقي لها سواء كان جمهوراً (متخصصاً - أو نوعياً - أو عاماً)، وهو الأمر الذي انعكس في الخطة الإعلامية لإذاعة القرآن الكريم من خلال ربط هذه البرامج بالواقع الاجتماعي للمستمع المسلم في الوقت الحاضر.(3) لذا سجل المشهد الإعلامي الديني تطوراً ملحوظاً وملموساً لهذه الإذاعة يتواكب مع الحراك المجتمعي المعاصر، وبذلك استحقت أن تحتل الترتيبات الأولى في تفضيلات استماع الجماهير لها طبقاً لما توصلت إليه نتائج البحوث والدراسات السابقة في هذا المجال. ونظراً لأن حق الاتصال هو حق مكفول لكل فرد كأحد حقوقه الإنسانية كما أوضح ذلك الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في مادة رقم 19، والذي أوضح فيها أحقية كل فرد في المشاركة والانتفاع من وسائل الإعلام بل ويكون طرفاً فاعلاً في العملية الاتصالية(4). إلا أن الملاحظ من خلال المتابعة المنتظمة لما تقدمه إذاعة القرآن الكريم من برامج ومضامين دينية في الواقع أن هذا الحق من الحقوق الإنسانية لم يجد صداه الواقعي فيما يخص الحقوق الإعلامية للمسنين لاسيما الأميين منهم سكان ريف مصر، فلم يترجم هذا الحق في تخصيص برامج وموضوعات إذاعية تلبي احتياجاتهم واهتماماتهم الإعلامية لهذه الفئة العمرية وتسعى إلى إشباعها. فضلاً عن أن اهتمام الباحثين بدراسة علاقة المسنين بوسائل الإعلام قليلة إذا ما قورنت بنسب الاهتمام بفئات المجتمع الأخرى مثل (الأطفال - الشباب - المرأة)، فلا يوجد سوى دراسات وبحوث قليلة تعكس احتياجاتهم من وسائل الاتصال، وهو ما يتطلب ضرورة الاهتمام بهم وتلبية احتياجاتهم على اعتبار أن تقدم الأمم يقاس بما توفره من رعاية لشعوبها عبر مراحل نموهم المختلفة. ونظراً لأهمية فئة المسنين في المجتمع المصري حيث يشكلون 9% من نسبة السكان طبقاً لتقرير الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء لعام 2006**، وتقريره السنوي الصادر عام 2016(5) ومن المتوقع زيادة هذه النسبة لتصل إلى 11% عام 2026 طبقاً لتقديرات المركز الديموجرافي للسكان في مصر(6)، كما أشارت تقارير الأمم المتحدة(7) إلى زيادة عددهم ليتجاوز 1.2 بليون نسمة بنهاية الربع الأول من القرن الحالي ليصل إلى 2 بليون نسمة بحلول عام 2050، كما أن تقارير منظمة الصحة العالمية(8) تشير إلى زيادة نسبتهم في العالم لتصل إلى 12% من جملة سكان العالم بحلول عام 2060. لذا كان من الأهمية بمكان دراسة هذه الفئة العمرية، فالمسنين عند بلوغهم سن الشيخوخة يعانون من تزايد وقت الفراغ والشعور بالملل والوحدة، لذا فهم يقبلون على الاستماع لإذاعة القرآن الكريم حيث يجدون فيها ملاذاً آمناً يشبع كثير من احتياجاتهم وتطلعاتهم الدينية، خاصة أنهم يخصصون وقتاً كبيراً من نشاطهم اليومي في الاستماع لبرامجها، بل ويفضلون الاستماع إليها عن باقي الإذاعات الأخرى لما تتسم به من سمات وتوجيهات دينية تعلي من مكانتهم وعلاقاتهم الروحية والفكرية بالله عز وجل ورسوله الكريم صلى الله عليه وسلم.